شؤون فلسطينية : عدد 176-177 (ص 51)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 176-177 (ص 51)
- المحتوى
-
محمد خحالد الأزهري
ان أثر الفكر الغربي والممارسة الغربية في صورة فلسطين والفلسطينيين ومساندة الفكر
الصهيوني ذاته يبدو خلال امثلة كثيرة . ففكرة توطين اليهوب الاوروبيين في فلسطين بدأت تأخذ مظهراً
عملياً بعد حملات محمد علي (1877 -1878) ضد الدولة العثمانية, حيث وقع اختيار القوى
الاوروبية على يهود اوروبا ليكونوا ذلك الكيان الغريب وسط الكيان العربي المتجانس5).
ومن هنا بدأتء بالفعل» عملية استغلال الاحلام اليهودية المندثرة وتغذية الشعور بأن فلسطين
هي بلد اليهوب الاصيء وانها المكان الوحيد الذي يمكن ان يزدهر فيه اليهوب قومياً؛ كما بدأت تغذية
مشاعر اليهود الزائفة نحو فلسطين وتم, في الوقت عينه بالطبع, تجاهل الفلسطنييين. في فرنساء ظهر
كتاب بعنوان «المسألة الشرقية الجديدة» ذكر فيه الكاتب «... ان اليهود سوف يكونون حملة المدنية
الاوروبية» ودعاهم الى الذهاب الى ارض الاجداد ». وفي ايطالياء قال ماتزيني» الزعيم القومي
الايطالي؛ لليهود : «انكم بدون وطن تبقون بلا اسم او علامة مميزة؛ وبلا صوت او حقوق». وفي المانياء
لام المفكر الالماني هيردر اليهود «لعدم بذلهم جهداً للعودة الى وطنهم فلسطين ليزدهروا فيه .)١١
اذن» مارس الغرب عملية الهاب الحماس اليهودي تجاه الاستيلاء على وطن الفلسطينيين؛ ولم
يكتف يذلك» ٠ بل دعمهم مادياً لتحقيق تلك الغاية.
وبغض النظر, مؤقتاًء عن رغبة الغرب في التخلص من اليهود ومشكلتهم (ولكن في فلسطين)» فان
البعد العنصري للممارسة الاستعمارية الغربية الاستيطانية المعروفة عن الغرب في اماكن أخرى:
مورست في فلسطينء ولكن بأيدي صههيونية . كان الصهيونيون العنصر الذي عليه أن يتولى نشر
الحضارة الغربية في فلسطين ! ومن ثم» فان غياب الفلسطينيين من السياق العام لحركة الغرب نحو
الخارج يضحي امراً طبيعياً ! ولعل هذا الفهم هو الذي دعا المؤرخ البريطاني المعروفء ارنولد
توينبيء الى القولء في أحد رسائله, عقب حرب حزيران ( يونيو ) 19777 مباشرة: «... لقد عانى
الفلسطينيون العرب من الذلء لأنه بتأسيس دولة اسرائيل لم يستشارواء وقد وقع ذلك على رؤوسهم
وتمت معاملتهم كالفطريات» )١١
ان تجاهل الفلسطينيينء ونبذهم خارج اطار الانسانية السوية» والرغبة في احلالهم بالعنصر
اليهوديء: يتوافق مع المفهوم الغربي والتصور الغربي لسكان المعمورة. فالمرحلة الاستعمارية شهدت
التقسيمات التي اشاعها الرجل الابيض الاوروبي للشعوب والامم. وقد وقع الفلسطينيون: وغيرهم,
ضحية لهذه التقسيمات. فقد اعتبر الرجل الابيض نفسه حامل اعباء الحضارة: واعتير السكان
الاصليين» في مناطق كثيرة» ومنها فلسطين» انصاف برابرة (الاميركتين وجنوب افريقيا والكونغى. امثلة
بارزة الى جانب فلسطين). وهذه المنطلقات تندرج تحت بند عامل «نشر الحضارة» في نشوء الظاهرة
الاستعمارية عموماً. والاستيطانية خصوصاً!9')؛ كما تنسجم مع التقسيمات التبريرية الاخرى التى
ظهرت في الغرب. فالعالم عندهم ينقسم الى شعوب متمدنة؛ وغير متمدنة» وشعوب متقدمة؛ ومتخلفة,
والى عالم البيضء وعالم الملونين غير البيضء والشرق والغرب!*'). ويحق لناء بناء على استعراض
الموقف الغربي من فلسطينء وما تمخض عنه من مأساة لهاء ولشعبهاء ادراك ان هذا الغرب قد
وضعها في خانة المناطق المتخلفة؛ التي يسكنهاء ان كان ثمة سكان فيهاء بعض الملونين في الشرق !
وهذه الصورة القاتمة عن فلسطين تلقفتها الحركة الصهيونية: وطورتها . وبذلك لا تخرج الصورة
الصهيونية اللاحقة حول فلسطين؛ عن كونها نسخة معدلة الى الأسوأ لتلك الصورة التي شكلها
الغرب» وذلك بحكم ان الصهيونية رافد من روافد الفكر الغربي في التحليل الاخير.
00 اشوُون فلسطيزية العدد ١76 21717 تشرين الثاني /كانون الأول (توفمير/ ديسمبر) ١9141 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 176-177
- تاريخ
- نوفمبر ١٩٨٧
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 39580 (2 views)