شؤون فلسطينية : عدد 122-123 (ص 109)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 122-123 (ص 109)
- المحتوى
-
إلى أسوان. وف رأيي أن ذلك الموقف الجديد أى في الحقيقة الذي مدا ساعتئذ
جديدا عبارة عن بروز وجه ثان للوطنية المصريةء إلى المرتبة الأولى: الوجه الاجتماعي.
وكدت أسميه «الوجه شبه الطبقي»؛ غير أن الحالة لم تكن تبلغ بعد في عمومها
المستوى الكافي من ارتفاع الوعي لكي نطلق عليها هذا الوصف. وإذا كان انتقال الإدراك
شيئاً أكيداً في نظريء غير أنه لم يزل في مراحله الأولى لأسباب كثيرة. ومن هنا وجه
الخطورة عندما يأخذ بالمبادرة مَنْ يعرف استغلال الزوايا التي ما فتئت غامضة ويكتنفها
الظلام بعد في الذهن الشعبي. وهى ما حدث مع السادات ونظامه. بفضل الاشكال
«الشعبانية»التي استعملها. وكان بعضها مبتذل رخيصاً مثل اطلاق اشاعة بأن نيكسون
جلب معه سفينة مليئة بالدجاج المجمد هدية زيارة للمصريين؛ أو قوله المتكرر ان عناصر
المعارضة الديمقراطية والشيوعية ينتمون إلى الطبقة المستغلة (بالكسر) لأن بينهم منن
يملك سخان مياه في منزله. ولكن علينا أن نعترف بأنه عرف أيضاً أن يستخدم أساليب
راقية من المناورة ومن استغلال انصاف الحقائق وأشباه الوقائع: استثمر الانتصار/
الهزيمة لحرب رمضان (أليس في الالحاح على هذا الاسم من مغزى؟) لكي يكرر بلا ملل
ألا فائدة من الاقتتال وسفك الدماء(*). واستثمر تفتت الجبهة العربية و«اعتدال» بعض
النظم ازاءه والاستعمار الأميركيء والخطوط السياسية المزدوجة لبعض النظم الأخرى,
فيقول ان 2/5٠ من أوراق «اللعبة»(**) في يد الولايات المتحدة.
وهكذا قام النظام بتغذية بذور الفكر الغوغائي, ويتقوية انعكاساته على الرأي العام
المصري العريض. ورأيت أناساً أعرفهم جيداً؛ وكانوا يلعنون السادات صباح مساءء وقد
صاروا مغلقي الذهن لا يتحملون المناقشة بل يحولونها إلى تزاع عصبي فوراً قائلين: «هل
سيأخذون نصف سيناء؟ ليأخذوه! بل ليأاخذوا سيناء كلها! دعنا نرتاحء ولى لسنتين
أو خمس!». وصديق جامعي ذو اطلاع ويعطف على اليسار منذ مدة طويلةء يبدأ حديثه:
«دعنا من الشعارات, ولا تكلمني عن الشرف الوطني والتراب المدنس: الام وصلنا؟ خلك
عملياً وقل لي إذا كان لك حل فعلي بديل». وشخص في الطريق: «ان اليهود يشر مثلناء
وحقهم أن يعيشوا». وآخران فيما بينهما: «ومالهم اليهود؟ ألن نعرف نتأجر معهم؟».
لا شك في أن هذا كله كان تعبيراً عن فكر ضيق أناني وفردي وأعمى؛ واثيتت
الأحداث أن بعضه كان خاطئاً حتى من الناحية العملية المباشرة والتجريبية البحتة: الأمر
الذي جعله ينحسر بدرجة أى بدرجات. غير أن الذي يهمني مما ذكرت هو: هل كان ذلك
مجرد قشور سطحية عابرة, أي تقلباً مؤقتاً في المزاج ودون صلة بما في الأعماق؟ أم كان
نبتاً غير سوي لجذور ضربت منذ مدة ولم نلتفت إليها بما يكفي؟
ثم كانت حادثة قبرص (على أثر مقتل يوسف السباعي) التي مات فيها عدد من
جنود الصاعقة المصريين؛ وإذا بالبعض يقول: «كيف؟ ألم نقرر ألا حرب ولا قتلى بعد
اليوم؟».
(*) يذكرنا بمثل مصري قائل «ان سعد زغلول قال قبل ما يموت: ما فيش فايدة» (في اجلاء الانكليز).
(**) كذا. وهى تعبير مستعار من اللهجة الصحافية الأميركية الدارجة. - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 122-123
- تاريخ
- يناير ١٩٨٢
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 10381 (4 views)