شؤون فلسطينية : عدد 117 (ص 163)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 117 (ص 163)
- المحتوى
-
القاهرة أثناء زيارته لها في شباط (فبراير) ١977 وكنت يومها أعد رسالتي لدرجة
الدكتوراه عن «شعر المقاومة في الأدب الفلسطينى الحديث».: أذن لي أن أنسخ ديوانيه عن
يومئذ.
وتلقى راشداً ٠ للمرة الأولى؛ فيدهشك بوداعته وألفته وبيشاشته. وتحس أن ابتسامته
الصعبة؛ تنرٌ حزناً وديعاً يكاد. يكون عضوياً فيه. وتتمعن في مجموعة صوره المنشورة في
كتاب التأبين وفي كتاب (6أء11055 1855810 01 70110 116), وهي تمثله منذ صباه المبكر
في مصمص حتى فترة متأخرة من حياته في اميركاء فكأنك تلقاه المرة الأولىء لا تزيد عن
ذلك سوى انك ترى هذا الحزن في سحنته يكبر وتنضج ملامحه. بنضج صاحبه على
الأيام. ويطالعك راشد بقامته الفارعة, وضخامته المتناسقة في شيء من التوحش؛ فتحس
في قسمات وجهه الأسمر بحثاً مشغوفاً عن المجهول, كأن فيه نهم إلى الحياة يطلب
الإشباع, وعطشاً يطلب الارتواء... وصاحبه لا يجد ما يشبع نهمه إلى الحياة؛ ولا
ما يروي عطشه اليهاء إيحاء بالقدرة على تقبله المزيد والرغبة في الحاجة اليه... كأنك ترى
إلى شجرة برية غضة:, أو غابة بكر تشعر من خلالها بقوة النماء والخصوية والوعد بتوفير
القابلية اليهما دائماً. وأمام إحساسه الفطري بهذا النهم وبتلك الرغبة» فقد نما شعوره
بالحزن في دمه, وغذَّي به مخ عظامه. يقول صديقه يوسف حمدان» وكان قد لقيه أول مرة
في يافا سنة 19575: : «انطباعي الأول عنه: يا له من رجل حزين! انه يشيه رجلا كان
يبكي»("6). لقد قام في نفسه الاحساس بأن حياته كلها لن تشبع نهمه إلى الحياة ولن
تروي عطشه اليهاء ولذلك فإن حياته ستكون في نظره قصيرة ولن تطول. تقول زوجه
(لالاتخاء «كان راشد دائماً يعتقد انه سيموت شاباً. وفي الحقيقة لم يكن يعتقد أنه
سيبلغ الثلاثين. ومات في الأربعين دون سيب»( 0 إحساس غريزي غذته ظروفه كلهاء
فتضخم في نفسهء وفاض على ملامحه ليقزأه عليها أصدقاوه ومعارفه. يقول لسائله يوماً
«أنا رجل حزين» ولكني لست جنائزياً . ومن يستطيع تمييز تخوم الحزن من الغضب لدى
الفلسطيني؟72*) وهل أقسى من الظلم الاجتماعي. وأكثر مرارة من العسف السياسي
اللذين لحقا بأهل فلسطين؟! ان مأساة الفلسطينيين بما رافقها من اغتصاب وطنهم ومن
ذل الغربة والإحساس بظلم العالم لهم وما ترتب على ذلك كله من فقر وحرمان قد خمر
هذه الأحزان في نفس الفلسطيني دون أن يفقد الأمل والتفاؤل التاريخي بعدالة القضية.
هو الحزن الفلسطيني إذن؟ لقد ظل هذا الحزن حزناً باسلاً شجاعاً تمازجه عروق
8 والتمرد وعدم الرضاء عن الأشياء. ولكن راشداًء في منفاه الاميركي الذي اختاره
لنفسه. حيث اصطلحت عليه التعاسة والهمومء ظل يحس انه «يشبه شجرة اجتثت من
تربتها الطبيعية, وانها تتنفس هواء غريباًء وتسقى ماء نجساً». وبهذا عرف الخطأ الذي
ارتكبه بترك الوطن. وريما فهم لأول مرة خلال هذه الفترة أنه عندما غادر فلسطين
م ان يأخذ جذوره معه.ء كما لم يستطع أن ينمى جذوراً جديدة في أي
مكان»("*). وهل أكثر من هذا الشعور بالإذلال والمهانة؟ ومن هنا كان كل معارفه يرون في
صوته نبرة الأسى» وفيه نموذج الرجل الذي يحس بالانكسار. ففي نيويورك يراه فوزي
188 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 117
- تاريخ
- أغسطس ١٩٨١
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 10384 (4 views)