شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 95)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 95)
- المحتوى
-
عبدالرحمن بسيسو طح
كان الصعود صعباً فوعد أن يطلعني بالأسانسيرء خفية عن صاحب العمارة, وذلك جعل العمل أكثر
سهولة. ثلاث مرات في الاسبوع. قلت لنفسي إن ذلك شيء جيدء وإن الله يسرها... ولكن بعد شهر
وثلاثة أيام...(*؟١). ويجيء صوت الراوي ليكمل الحكاية؛ متحداً عن أم سعد بضمير الغائب: أى
مقدماً مأ لصوتها ولصوت المرأة اللبنانية بعبارتي: قالت أم سعدء قالت المرأة حاملاً صوتيهما بين ثنايا
فتتوحد رؤية الراويء: مع رؤية أم سعدء ويتبدى تعاطفه العميق مع موقفهاء ومع المرأة
اللرتاتية. . ومع تواصل السرد ندخل الى العمارة بوصفها مكاناً لوقوع الاحداث: «كانت أم سعد قد
وصلت. نازلة؛ الى الطابق الشالثء لاهثة وراء الماء ورغوة الصابون ويرد الشتاء يقرص قدميها
الحافيتين. بلحم كفيها المضرجتين بآثار أحذية الصاعدين والهابطين كانت تفرك الارض الرخامية
وسط ليل الناس النائمين عميقاً في دفء غرفهم المترامية وراء الابواب المغلقة» وفجأة أحست بامرآة
تقف وراءها مكثفة ذراعيها على صدرها ناظرة اليها بإمعان» كأنما كانت تنتظرها هناك منذ
دهن... 0#
لا شيء في هذا النص بلا دلالة على التضادء اذ لا يعود التضاد قاصراً على بيت أم سعد وعمارة
وسط المدينة» بل إنه يتعدى ذلك ليصير في تشابك وتفاعل, تضاداً بين أم سعد نفسها من جهة, وبين
العمارة وسكانهاء معاً. من جهة أخرى. إن يصبح جسد أم سعد نفسهاء وحالتهاء بنية تقف على الحد
النقيض للعمارة كبنية هندسية, ولسكانها كأجساد ونفوس تنعم بالرفاه والراحة؛ فم سعد تعمل في
تنظيف الدرج في عر الليل: وعرٌ الشتاء. هي تعمل وسكان العمارة «نائمين عميقاً», يقرص بكب الشتاء
قدميها الحافيتين وهم يتعمون «في دفء غرفهم»: تلسع وجهها وجسدها تيارات هواء جارف في عراء
السلم البالغ الارتفاع وهم يسكنون الى «غرفهم المترامية وراء الابواب المغلقة», تركض لاهثة وراء
رغوة الصابون وهم في بيوتهم يسترخون أو يستغرقون عميقاً في النوم» يتضرح لحم كفيها بينما
الارضية الرخامية للعمارة: ناعمة ملساء, وآثار أقدام الصاعدين والهابطين من سكان العمارة تزيده
تضرجاً: » هي نازلة وحسب؛ وهم صاعدون هاأبطون. هكذا تتبدى أم سعد في مقابل سكان العمارة» وعلى
هذا النحو تتيدى صورة بيتها «غرفة الصفيح المشطورة». في مقابل عمارة عالية: في وسط المدينة, تذعم
بأبهج الصفات والمواصفات: سبعة أو ثمانية طوابق» مدخلء سلم طويل وأرضيات رخامية, مصعد -
أسانسير على حدّ تعبير الناطور وام سعد بعده! أبواب مغلقة, تدفئة» وموقع مناسب على طريق وأسع
في وسط مدينة مضاءة... وترى أم سعد الى هذه العمارة ومواصفاتهاء بأندهاش بالغ يدفعها الى
القول: «تلك العمارة الكبيرة تسوى أكثر من ألف ليرة» أكثر بكثير»17*')ء وهل ثمة ما هو أكثر عمقاً من
هذا القول البسيط للدلالة على التضاد الحادء وتوليد فاعلية التباين الى أقصى حدٌ ممكن؟
بعد حوارها مع المرأة اللبنانية تكتشف أم سعد أن هذه المرأة كانت تعمل في البناية نفسها قبل
أن يستقدموها للعمل» وأنها كانت تتقاضى سبعة ليرات» وليس خمسة كما يدفعون الآن» فيدور في
ذهنها أي في ذهن أم سعد ان صاحب البناية بالتواطؤ مع الناطور قد استخدموها بدلا من المرأة
اللبنانية لتوفير ليرتين... فقط! وإذ تعرف أم سعد أن المرأة اللبنانية هي من فقراء الجنوبء وأنها تقوم
بتريية أربعة أولاد: تقرر ترك العمل؛ وتطلب الى المرأة ان ت تكمله, وأن تطلب من صاحب البناية ان
يدفع لها أجرة الاسبوعين الاخيرين التي لم تتقاضاها أم سعد, وكأنها بذلك تكفّر عن ذنب لم تكن لها
يد في ارتكابه, وتغادر أم سعد البناية, قلقة» الى ان تسمع صوت الماء يتدفق من جديدء فتعرف أن
المرأة قد باشرت العملء فترتاح قليلاً, الا ان دموعها تغلبها وهي تخرج الى الطريق.
يتعمّق في وجدان أم سعد احساس عارم بالاستغلال والظلم؛ فإذ يخرج الراوي معها كي
15517 شرن فلسطيزية العدد 17/117516 تشرين الأول (اكتوبر)- تشرين الثاني (نوفمير)- كانون الأول (ديسمبر) ١6 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237
- تاريخ
- أكتوبر ١٩٩٢
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 22438 (3 views)