شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 99)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237 (ص 99)
- المحتوى
-
عبد الرحمن بسيسو سح
في ذلك الصباح الحزيراني التعسء يقف الراوي» مهموي خلف نافذة بيته» قتبدى له الشمس
«مجرد قرص من النار يلتهب تحت قبة من الفراغ المروع,37 ')» غير أن رؤيته لأم سعد» وهي قادمة
من «رأس الطريق المحاط بأشجار الزيتون:(4١١) تجعله لا يرى في ذلك الفراغ غير خلفية صامتة
ل «شيء ينبثق من رحم الارض»(5١١) ذلك لأن أم سعد كانت «تمشي بقامتها العالية كرمح يحمله قدر
خفي.. . تصعد من قلب الارض وكأنها ترتقي سلماً لا نهاية لهع('"١). ففي مقابل يأس الراوي
وهبوطه: وإحباطه المقيم الذي جعله يطوي نفسه كالواية المهزومة» ويرى الى الاشياء على النحى الذي
رآيناه, تبدى آم سعد شامخة وصاعدة: فتضفي على المشهد المأساوي للمحيط الخارجي للبيت» كما
يتبدى في عيون الراويء» جلال التحول وانبثاق التجاون... وإذ يلتفت الراوي الى أشياء بيته تبدى في
نظرهء كثيبة مصبوغة بالتفاهة: «كنت أسمع هدير الحرب من الراديى ومنه سمعت صمت المقاتلين»
وهى يتكىء على الطاولة ورائي ينوح مثل آرملة» ويطلي بصوته المهزوم كل أشياء الغرفة بالتفاهة:
المكتبة» والمقعد والزوجة» والاطفال وصحن الطعام» وأحلام المستقبل» ويجعل الحبر بلا لون»(31).
غير ان دخول أم سعد الى 'البيت» يعطي للبيت وأشيائه مغزى آخر, ويضفي على رؤية الراوي لبيته,
بعداً جديداً : دخلت أم سعد ففرحت في الغرفة رائحة الريف»9''١). ولا يبقى المشهد مسكوناً بيعد
واحدء فثمة صموب وأملء في مواجهة التعاسة واليأس: «حين تدق باب البيت وتضع أشياءها الفقيرة
في المدخل تفوح في رأسي رائحة المخيمات بتعاستها وصمودبها العريق» وببؤسها وآمالهاء(؟"'). وهكذاء
بدخول أم سعدء يعوب الراوي الى شيء من علاقة الالفة التي تصله بغرفته وأشياء بيتهء فتبدى الغرفة
كما كانت عليه «قبل عشرة أيام فقط(؟"١) أي قبل الحرب ووقوع الهزيمة؛ فأم سعدء بحضورهاء في
بيت المثقف الكوريء؛ بما ينطوي عليه هذا الحضور من مدلولات» تعطي الأمل العميق بتجاوز
الهزيمة. وفي هذا الضوء تنعدم علاقة الالفة بين المثقف الثوريء ومكبتتة وأشياء بيته, بل وأهل بيته
(زوجته) في غياب علاقة التوحد مع «أم سعد» بكل ما ترمز اليه, ولا تحضر هذه العلاقة الا بحضورها
«وقامتء ففاض في الغرفة مناخ من البساطة: بدت الاشياء أكثر ألفة» ورأيت فيها بيوت الغبسية مرة
أخر. 0
وتبدو هذه العلاقة التجاوبية مع المكان» دالة على التجاوب الرؤيوي؛ والتفاعل القائم بين المتقف
الثوري من جهة »وأم سعد من جهة أخرى؛ فأم سعدء أيضاً » تحس بالألفة؛ في بيت الراوي الذي
اعتادت المجيء اليه كل يوم ثلاثاءء ومنذ سنواتء فهي «تنظر الى الاشياء شاعرة حتى أعماقها
بحصتها فيهاء تنظر الي كما لأينها»(!١١). وتتجول أم سعد في بيت الراوي, كما لو كان بيتها تمامأء
تذهب الى الشرفة, وتعبر الممرء وتدخل المطبخ؛ وتخرج الى الحديقة» قرب الباب كي تغرس عرب الدالية,
وتعودء تعبر الفرفة: وتتكىء على حاجز الشرفة؛ و«تنظر الى حقول الزيتون المطلة على مدادرج
التلّة»7"): ويلحق بها الراوي» يسألها ويحاورها في حديث متواصل لا ينقطع؛ وفي تجاوب رؤيوي لا
يخدش.
وعلى الرغم من المواصفات الهندسية التي للبيت» والتي تشي بتناقض مع بيت أم سعدء كما هو
حال عمارة وسط المدينة» فإن هذه المواصفات تفقد دلالتها التناقضية» مع حضور التجاوب في الرؤية
والموقفء مما يؤكد ان السمات الطويوغرافية والخصائص الموضوعية للأمكنة لا تنطوي على أية دلالة
بمعزل عن المشاعر الانسانية» والرؤية للعالم التي تحكم,؛ وتحددء علاقة الانسان مع نفسه؛ ومع
الآخرين» ومع العالم. إن حضور أم سعد الدائم في بيت الراوي لا يجعل من هذا البيت مكاناً لاجترار
عذابات المنفى بقدر ما يجعل منه حيزاً مكانياًء في المنفى» يتيح للمثقف الثوري ان ينهض بدوره
شين فلعطفية العدد ٠10/9177-51؟؟, تشرين الأول (اكتوبر). تشرين الثاني (توفمبر)- كانون الأول (ديسمير) 1951 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 235-237
- تاريخ
- أكتوبر ١٩٩٢
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 22438 (3 views)