شؤون فلسطينية : عدد 183 (ص 64)

غرض

عنوان
شؤون فلسطينية : عدد 183 (ص 64)
المحتوى
ب الابادة النازية لليهود؛ أسبابها التاريخية والحضارية
يشبه المطلق أى اداة تحقق العقل المطلق في فلسفة هيغل. ولعل هذا يعود الى تجرية المانيا مع وضع
التجزئة الذي دام طويلاً: وعاق نموهاء في معظم القرن التاسع عشر. وقد أصبحت الدولة هي الاطار
السياسي الذي يمكن للشعب العضوي ان يعبّر عن نفسه خلاله ؛ ثم تطور مفهوم الدولة القومية ودخل
اليه عنصر مسيحي دينيء واختلطت القيم الدينية بالقيم القومية, بحيث تطلّبٍ الانتماء الى الشعب
العضوي الالماني الانتماء الى المسيحية البروتستانتية (وقد نتج عن ذلك تذصّر اعداد هائلة من يهو
المانيا. وقد وصلت النسبة؛ أحياناً. الى ما يزيد على ‎0٠‏ بالمئة من كل يهود برلين» أي معظم يهوب المانيا
في أواخر القرن التاسع). ثم تطور هذا المفهوم؛ قيما بعدء بحيث أصبح الشعب العضوي شعباً
بمقدار انتمائه الى عرق واحد. وقد ساندت ذلك مجموعة من «الابحاث العلمية» والدراسات المختلفة
التي تضفي على هذه الاساطير مسحة علمية وفي اطار الصياغة العرقية لمفهوم الشعب العضوي,
أصبح الطريق مسدوداًء تماماً. أمام أعضاء الاقليات (السلافية واليهودية) في المانيا.
وقد شهدت اوروباء آنذاكء, انتشار الافكار الداروينية الاجتماعية» وفلسفة نيتشه التى لاقت
ذيوعاً شديداًء بحيث أصبحت شعارات:» مثل «البقاء للاصلح». دليلاً للعمل ونسقاً اخلاقياً مقبول في
كل العالم الغربي. وبدات عملية الاستبعادء انطلاقاً من فكرة الشعب العضويء تكتسب شراسة
ووحشية غير عادية. وقد طبقت هذه الشعارات على الشعوب «المتخلفة» في آسيا وافريقياء كجزء من
المشروع الاستعماري الغربي هناك. ولذلكء لم يكن هناك ما يمنع, من الناحية الاخلاقية والسياسية:
من تطبيقها في اوروباء حينما اتجه المشروع الاستعماري الالماني الى «مجاله الحيوي» في أوروبا
السلافية.
ولكن, لعل السياق الحضاري العام في الغرب, وهو الاطار الذي تمّت فيه عملية الابادة, هوء في
نهاية الامر, الذي جعل الابادة النازية لليهود أمراً مقبول ومستساغاً. فالحضارة الغربية الحديثة
علمانية تُعلي قيم المنفعة والكفاءة والانجاز والتقدم؛ وتتخلى عن أي قيم مطلقة ؛ وهي تنظر الى الانسان»
لا باعتباره مطلقاء وانما ياعتباره «مادة بشرية» محايدة (وهذا اصطلاح صهيوني ونازي ي شائع) توثلف
في هذا الغرضء أو ذلك ويُحكم عليها بمقدار نفعهاء أو عدم نفعها. وقد تبدّت الحركة النازية هذه
الايديولوجية النفعية العلمانية؛ وقامت بتطبيقهاء بشكل ثوري شاملء على كل اليشر. فقسم الالمان
انفسهم الى نافعين وغير نافعين؛ أما النافعون, فهم المنتجون؛ واما غير النافعين» فهم كل المعوقين
والعجزة الذين وصفهم هتلر بأنهم «آكلون (للطعام) غير نافعين». وانطلاقاً من هذاء كان من الواجب
التخلص منهم من طريق الابادة. وقد شيدت أفران الغان. في البداية لهؤلاء الالمان, وابيد منهم حوالى
‎"٠‏ الفاً. ولكن تحت ضغط الرأي العام الالماني تراجع النظام النازي؛ ثم قام بتطبيق المعيار ذاته
على الجنود الجرحى في الحرب؛ اذ أن عملية علاجهم كانت سوف تكلف الدولة الكثير.
ومن الموضوعات الاساسية في الادبيات الصهيونية: والادبيات الغربية» بخصوص اليهود» هو
مدى نفعهم. وقد طرحت القضية مع عصر التنوين؛ اذ تم الحديث عن عتق اليهود ومنحهم حقوقهم
السياسية والمدنية لأول مرة في الحضارة الغربية: في اطار نفعهم؛ فكلما ازدادوا «نفعاً ازدادت
الحقوق الممنوحة لهم. ثم ظهرت القضية: مرة أخرى.ء في الادبيات الصهيونية؛ اذ كان عدد كبير من
يهوب المانيا من يهود شرق اوروبا الذين لفظهم الغيتى ولم تستوعبهم مجتمعاتهم أو أي من المجتمعات
الاوروبية الاخرىء والذين لم يكن عندهم كفاءات حديثة تجعل منهم «آكلين نافعين». وقد طرحت
الصهيونية نفسها على انها الايديولوجية التي سوف تقوم بتطبيع اليهود وتحويلهم الى عنصر منتج,
أي الى عنصر نافع؛ فالحضارة الغربية؛ بكل قطاعاتهاء من أقصى اليمين الى أقصى اليسار, بمن في
العدد ‎١185‏ حزيران ( يونيى) 1984 شمن فلسطزية رك
تاريخ
يونيو ١٩٨٨
المنشئ
منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
مجموعات العناصر
Generated Pages Set
Periodicals دوريّات

Contribute

A template with fields is required to edit this resource. Ask the administrator for more information.

Position: 17770 (3 views)