شؤون فلسطينية : عدد 190 (ص 93)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 190 (ص 93)
- المحتوى
-
د. سامي الجندي
لم يقل العجوز شيئاً ولم يتحرك: «لم يصلني غير ثمانمئة ليرةء وكان الآخرون سيبيعون على كل حال وها
كان بوسعي فعل أي شيء . ولقد سرقنا اولك الخنازير. لقد دفعوا في خبيرة ست ليرات بالدونم وخمسمئة للمختار».
قال ذلك باصرار. وكأنه يريد ان يثبت لقرائه الاوروبيين ان العرب لم يكن همّهم الآ ان يبيعوا اراضيهم» وها
كانوا ليترددوا الآ انتظاراً لفرصة دفع أكثر. طبعاً ما ان تظهر هذه المعزوفة حتى تتلقفها بقية الكتب التي تنشر
باشراف الحركة الصهونية وهي لا تحصى فتجعل الخطأ صواباً واقعاً لا يمارى فيه فيما يغط الرأي المضاد
في نوم المتخلّفين العيق
لم يقل العجوز شيئا أ. يجع الى غرفته وقد أزداد همّه, والاين قال لنفسه : «ما بوسعي أن أفعل ؟»2.
حاول ان يؤكد دائماً ان العرب لم يكونوا يصنعون شيئاًء فالطريق الذي يجتازه المختار يومياً في دورته
القروية ذاته من أيام الرومان: حفظه عن ظهر قلب: يمرّ فيتجنب الحفر الصغيرة دون ان يتطلع أين تدوس قدماه.
عندما أتي الحديث عن الزراعة أكد ان شيئاً لم يكن مزروعاً. كانت فلسطين عنده شبه صحراءء مع ان
فلسطين باعت سنة ١16٠١ مليون ونصف المليون صندوق من الحمضيات. وغني عن القول ان الجليل لا يمكن
الاوان يكون اخضي ما دامت نسبة المطر فيه سنوياً متراً أو تزيد.
صباح وصول المعمرين الى «برج عذرأ»: ويعد ان اقاموا برج مراقبة الجوار والتحركات التي يمكن ان يقوم
بها العربء نزل المختار الى القرية: فمر بالشارع الوحيدء وحيًا بعض الوجوهء وسألهم عن أحوالهم وأحوال
عائلاتهم واعمالهم. غير ان أحدأ لم يحاورهء أوينبس ببنت شفة؛ عمًا يجرى على هضبة الكلاب: «ومع ذلك: فقد
يمتد عليهم الظل. كانوا يعرفون جميعاً القرار الذي يجب ان يتخذه المختار وغسلوا منه أيديهم؛ هؤلاء الجيناء
الانذال, لعلهم يستطيعون القول قيما بعد أنهم لم يأخذوا علماً بشيء مما يمكن ان يحدث في الليلة المقيلة...
هذا اذا حصل شيء».
لقد كان موكلا باتخاذ القراروحده؛ قالناس يتهرّيون جميعاً من تحمّل أية مسؤولية. أراد ان يقول ان الروح
الديمقراطية غير موجودة عندنا أصلاً, بل ولا يمكن ان توجد. انناء بتكويننا النفسي الاجتماعي, لا نستطيع
اختيارها.
أبوه طعن في العمر, فبات غير قادر على ابداء الرأي. أما «ابنه البكر, ذلك الضبع المجدور, فما يحلم بسوى
المال» لعلّه يستطيع ارتياد بيوت الدعارة في سوريا. ولقد كان ينتظر بفارغ الصبر ان تشنق الحكومة أباهء أو ان
يقتله الوطنيون العرب0.
لم يكن امام المختار الا هؤلاء. لقد استطاع؛ حتى الآن» أن يقصيهم عن الطابغة: فما كانوا يظهرون فيها
الا ليلا حين يأتي اثنان أو ثلاثة كي يأخذوا منها ما فرض عليها من غنم وبرغل وسمن وسواهاء كتموين للثوار
الذين يقودهم فوزي القاوقجي. وكانت القرية تدفع لهم راغمة: غير راضية.
كان المختار يدّعي بأن البهائم التي تنقص يسطو عليها فيسرقها اللصوصء وما كان بوسع السلطة أن تثبت
عليه شيئاً. فقد تمكن, بوسيلة نفاق وأخرىء ان يحوز على ثقتها.
ذكر كوستلر ان الثورة العربية في فلسطين لم يكن لها من هدف الا ذبح اليهوب» وانها لا خلاف بينها وبين
الانكليزما عدا مفارقات هينة, ليست بذات يأل. وإقد كانت السلطات تهدم بيوت المتعاملين من السكان مع الثوار.
ارهاباً» غير ان البنك العربي يدفع ثمن اقامة غيرها بسخاءء فتقوم البيوت الحديثة مكان المغائر الطينيّة. ولذلك
كان الخبثاء لا يعدمون الوسيلة التي تؤول بالساطة الى هدم بيوتهم حتى تقوم على انقاضها بيوت سكنها معقول.
ومتى علم القارىء ان الاوروبي العادي حين يقرأ يتصور أن الواقع قريب من ذلك.
وكان المختار يضع في مكان الصدارة من غرفته صورة المستر تشمبرلين وعليها خرز ازرق كي لا تصيبه
العينء كي يثبت للانكليز وفاءه لهم, ويحدث ذلك في تفاهم غير معلن مع ناس القرية.
دن شْيُون فلسطيزية العدد .15١ كانون الثاني ( ينأير) 1545 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 190
- تاريخ
- يناير ١٩٨٩
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 22210 (3 views)