شؤون فلسطينية : عدد 196 (ص 101)
غرض
- عنوان
- شؤون فلسطينية : عدد 196 (ص 101)
- المحتوى
-
حسين حجازي
ان الوضع في تلك المعسكرات كان يصل حدود الكارثة.
في معسكرات الهجرة:؛ لم تكن مجاعة وبطالة وامراض وإزدحام فدسب؛ وانماء ايضاً. الصراعات
الاجتماعية والايديولوجية التي انتقلت الى اسرائيل. فقد بدأت تلك الصراعات تبرز على نحو واضح: الصراع بين
القدامى والجددء بين الغربيين والشرقيينء بين اليمين واليسارء بين العلمانيين والمتدينين: بين الدولة والمنظمة
الصهيونية» بين الواقع والحلم.
كان ليهود اوروبا الاولوية في الهجرة؛ والأولوية في المسكنء وقد أعطي افضل الاراضي الجيدة والخصبة
للاشكنان: فيما أوكل القسم الاصعب والاقل كسباً للسفاراديم (الشرقيين). وقد أدى ذلك الى تعميق الهوّة
الطائفية التي كانت قائمة أيام الانتداب. لكن وجدء ايضاً. من اعطى تبريراً لهذا الأمرء حيث اعتبر هذا البعض
«ان البلاد العربية كانت خارج مجال نشاط الحركة الصهيونية تقريباً. سواء بسبب الاخطار, أو بسيب الغربة
ألتي أحس بها قادتها ازاء ما بدا في نظرهم محيطأ بدائيأ» . ولنا أن نعيد صياغة هذا التبرير الموقف الذي
يفصح | عن اشكال أعمق. فالحركة الصهيونية ليست سوى امتداد للنزعة الاستعمارية الغربية: ولايديولوجيتها
التي تقيم فصلا بين عالمين. وتوتر العلاقة بين الاشكناز والسفاراديم؛ بهذا المعنى, هو امتداد لتوتر العلاقة بين
الغرب م والشرق. لقد كتب بن - غوريون بصورة لا يعتريها الشك: «ان يهود اورويا شكلوا شخصية الشعب
اليهودي في العالم بأسره؛ لكنهم لم يمارسوا في البلاد الاسلامية, خلال مكات السنين الاخيرة, سوى دور سلبي
في تاريخ الشعب [اليهودي]». أي؛ بحسب قوله؛ فان الصهيونية كانت؛ في الاساسء حركة اليهود الغربيين.
فاليهود الشرقيون, حتى لو كانوا لا ينتمون الى فئات الشيوخ والمرضى والمحتاجين والى ذوي المساعدات
الاجتماعية» وحتى لو خدموا الدولة باخلاصء فان ثقافتهم لم تكن هي الثقافة الاوروبية التي ارادت اسرائيل
أن تتينّاها.
كان الاحساس بالغين قاسياً جداً عند الشرقيين اذاً. . ومع ان قادة مباي كانوا مدركين مضار سياسة
الانغلاق الاشكنازي الذي انتهجوهء فانهم تحركواء غالباً لمواجهة هذه المشكلة بلامبالاة. فحين حدَّر البعيض
منهم من ان الطوائف الشرقية ستذهب ياصواتها الى حزب حيروت: ودعا الى مواجهة هذه السياسة الحمقاء يضم
وزير سفارادي الى الحكومة, لم يكن هذا الرأي مقبول من الجميع في حكومة بن غوريون؛ بل ان أحد أعضاء
مكتب مباي رأىء في مثل هذا الاقتراح, نوعاً من الهرطقة الخطيرة: «اذا دخل وزير سفارادي الحكومة. فاننا
ستعزز هذه العصابة [هكذا!] الطائفية لعشرات السنين. اننا لسنا بحاجة الى ذلك على الاطلاق».
لكن بن - غوريون: باحساسه الحادء كان مدركاً أبعاد المشكلة على المدى البعيد؛ منطلقاً من حسابات
الدولة. ولذلك» كان تفكيره منصبَّاً على السؤال التالي: ما هى الجسر الذي سيعير هؤلاء الغربيون العلمانيون
بواسطته الى الشرقيين» وسيعبر هؤلاء الاخيرون بواسطته الى احضان الغربيين؟ أو بطريقة أخرى. كيف يمكن
الحد من اتفصام الثقافة؟ وكان الجواب الذي اعطي للمشكلة يتلخص بكلمة واحدة: «سحر الدولة»! وقد وضع
لهذه الرؤيا هدقاً مباشراً, عملانياًء يتمثل في ادخال اسس الحضارة والمعرفة الغربية في اذهان هؤلاء القوم
الشرقيين البدائيين.
كان الصراع بين العلمانيين والمتدينين» في جوهرهء يعكس غياب الاتفاق على القيم والمفاهيم. ومرة أخرى,
كان صدى الجدال اليهودي القديم يطل براأسه من الصراع الدامي وغير الدامي؛ العنيف والسلمي؛ حول
السبت؛ والاعياد والفرائض اليهودية» وبين اسرائيل الدولة والتوراة؛ أي باختصار, كان ا
والمتدينين يتعلق بمسار الالتحام الداخلي - انصهار الثقافات الذي هو شرط مسيق لبقاء اسرائيل واستمرارها.
وهناء في المسافة الفاصلة بين «أسباط بني اسرائيل الاكثر اصالة في الشرق». واولئك «الاكثر حضارة في الغرب»»
كان بن غوريون الوحيد الذي عرف كيف يوقّر على المجتمع الاسرائيلي الدخول في الحرب الاهلية. لقد عرف كيف
يمسك العصا من منتصفهاء ولم تكن براغماتية بن -غوريون بدون ضحاياء وتنازلات: واكباش فداء. وهكذا قرر
الاسرائيليون الاوائل عدم حسم الصراعء ويقوا بلا دستور يحدّد مكانة الدين في الدولة. لقد توصلواء اذاًء
16 ْؤُون فلسطزية العدد 157. تموز ( يوليى) 1545 - هو جزء من
- شؤون فلسطينية : عدد 196
- تاريخ
- يوليو ١٩٨٩
- المنشئ
- منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث
Contribute
Position: 10379 (4 views)